خبراء اقتصاد يشرحون لـ "المشهد" مدى تأثير كورونا في الاقتصاد الدولي
- خبير اقتصادي كويتي: نُذر تباطؤ واسع في الاقتصاد العالمي
- د.مصطفى بدرة: انتشار الفيروس ضربة لأسواق المال وقطاع السياحة
- د.محمد البنا: "الكل خاسر" باستثناء قطاع الخدمات الصحية
الشرارة التي انطلقت من "الصين" لم تنطفئ فيها، إذ تحوّلت إلى نارٍ مستعرة تضع واحدًا من أكبر اقتصادات العالم والدولة الأكثرتصديرًا للسلع في أزمة تُهدد ما حققته من منجزات اقتصادية، وامتدت الشرارة ذاتها إلى بلدان مختلفة حول العالم (80 دولة تقريبًا) متسببة في هزات عنيفة في أسواق المال العالمية؛ لتخلف حالة من الضبابية في المشهد الاقتصادي وتكشف معها مدى هشاشة الاقتصاد العالمي الذي فشل في تلقي الصدمة والتعاطي معها.
وما التقارير الصادر عن مؤسسات اقتصادية وتمويلية دولية والتي تتحدث عن تباطؤ متوقع وبصورة كبيرة في الاقتصاد العالمي بسبب ذلك الفيروس التاجي الذي نسف تقديرات وتوقعات إيجابية سابقة؛ إلا صك تأكيد على تلك الهشاشة، التي تعيد إلى الأذهان ما شهده العالم في العام 2003 إبان أزمة وباء سارس وخلال الأزمة المالية العالمية في عام2009.
وطبقًا لوكالة موديز، فإن تفشي الفيروس على ذلك النحو، من شأنه أن يشكل مزيدًا من المخاطر على نمو الاقتصاد العالمي، وذلك على رغم التوقعات المتفائلة السابقة بعد الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. وفي تقرير لها منتصف شهر فبراير، خفضت الوكالة توقعاتها لنمو دول مجموعة العشرين G20 إلى 2.4 في العام 2020، كما خفضت نسب النمو المتوقعة لمنطقة اليورو إلى 1.2% فقط، والصين إلى 5.2%.
وتنطلق تلك الأرقام من فريضة إمكانية السيطرة على الفيروس بنهاية الربع الأول من العام الجاري 2020. ووفق الوكالة فإن الصين هي المتضرر الأكبر، بخاصة على صعيد القطاعات (الاستهلاكية، والنقل، والتجارة، والسياحة، والترفيه). ونوهت الوكالة في تقريرها بأن الخسائر ستكون كبيرة أن لم تتراجع معدلات الإصابة، بما يشكل صدمة كبرى للاقتصاد العالمي.
ونقل موقع أخبار الأمم المتحدة الرسمي، عن خبراء اقتصاد تابعين للمنظمة الدولية قولهم: إن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي الناجمة عن فيروس كورونا الجديد قد تصل إلى "انخفاض قدره 50 مليار دولار" في صادرات الصناعات التحويلية في جميع أنحاء العالم، خلال شهر فبراير وحده.
توقعات صندوق النقد الدولي جاءت أيضًا سلبية، محذرة من تنامي الفيروس. وطبقًا لبيان صادر عن الصندوق، على لسان مديرته كريستالينا جورجيفا، فإن "النمو الاقتصادي العالمي سينخفض خلال العام الجاري 2019 عن مستويات السنوات السابقة وكذلك دون مستوى العام 2019 بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد". لكنها رهنت فترة تأثر الاقتصاد بالوباء نفسه ومدى المقدرة الدولية على مواجهته. ومن ثم، ينسف تفشي فيروس كورونا المستجد توقعات الصندوق سابقًا بارتفاع نسب النمو العالمي إلى 3.3 هذا العام، مقارنة بـ2.9% في العام 2019.
ووفق تقديرات البنك الآسيوي للتنمية، فإن "انتشار كورونا قد يقلص الناتج الإجمالي العالمي بين 0.1 و0.4%، بخسائر مالية من المتوقع أن تصل بين 77 و347 مليار دولار". كما حذر معهد التمويل الدولي في تقرير حديث له من أن يصل معدل النمو إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية بسبب كورونا، وذكر أن معدل النمو الاقتصادي العالمي قد يصل إلى 1% خلال العام 2020.
وشرح خبراء اقتصاد، في تصريحات متفرقة لـ "المشهد" مدى تأثير تفشي وانتشار فيروس كورونا في الاقتصاد العالمي، متفقين على أن أثر انتشار الفيروس سيكون ملحوظًا على نسب النمو في العام الجاري 2020، لكن من غير المعلوم مدى استمرار هذا الحال من التباطؤ، على أساس أنه مرتبطة بنسب تفشي الفيروس ومدى المقدرة على السيطرة عليه.
تباطؤ الاقتصاد العالمي
يقول الكاتب الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، في تصريحات خاصة لـ "المشهد" عبر الهاتف، إنه "في البداية كان واضحًا أن الاقتصاد العالمي سيتأثر بكورونا، والآن صارت الأمور أكثر وضوحًا، وسط نُذر تباطؤ واسع في الاقتصاد العالمي بسبب تفشي الفيروس، ومع الاختلاف بين الدول وإجراءاتها المختلفة وحتى طريقة إعلانها عن الوباء.. صار لنا حتى الآن أكثر من شهرين نستطيع من خلالهما التأكيد على أن هناك تباطؤًا في قطاعات مختلفة، لاسيما في حركة الطيران والصناعة وغيرهما، وهذه فترة ليست بالقصيرة..ما يعني أن نتائج الربع الأول من 2020 سيظهر فيها هذا التباطؤ بوضوح على الأقل، ومن الممكن أن تزيد الآثار وتمتد لأبعد من ذلك".
ويتابع: "الآن الكل يعتمد على إجراءات الدول وتخلصها من انتشار الفيروس.. هذا الذعر يسبب تباطؤًا في الاقتصاد العالمي، وسط تساؤلات عديدة تُطرح؛ أهمها: متى ستعود الدول إلى نشاطاتها الاقتصادية الطبيعية؟ وهل البدائل -مثل العمل بالمنزل أو المحجر أو غير ذلك- ستكون ذات كفاءة وإنتاجية أم لا؟ هل سترتفع إنتاجية الموظفين من المنزل أو المحجر بشكل جيد؟ وما هو وضع اقتصادات عن اقتصادات مختلفة؟".
ويشير الخبير الاقتصادي الكويتي في السياق ذاته، إلى أبرز القطاعات المتضررة، بقوله: "يمكن أن نفصل الاقتصاد، مثلًا اقتصاد الخدمات والاقتصاد المبني على الصناعة؛ لأن الدول المبنية على الصناعة إذا انتشر فيها الوباء يمكن أن يؤثر في إنتاجياتها بشكل كبير، بينما تلك التي اقتصادها مبني على الخدمات بشكل أكبر يمكن أن تتأثر بشكل أقل، وكلها تخمينات لا ندري ما الذي يمكن أن يحدث فعليًا.. ولكن من الواضح أنه لا تزال الولايات المتحدة بنشاط اقتصادي كبير ومعها روسيا، بينما بعض الدول الأوروبية تتأثر بشكل ملحوظ الآن، فضلًا عن أن منطقة الشرق الأوسط التأثير فيها زاد بعدما انتشر الوباء من إيران وفي دول الخليج، إضافة إلى مصر".
معدلات النمو
وبدوره، يشير أستاذ الاقتصاد والمالية العامة الدكتور محمد البنا، في تصريحات خاصة لـ "المشهد"، إلى أن "انتشار الفيروس بهذه الصورة وما يتبعه من إجراءات بالتأكيد أثر سلبًا في قطاع مهم في التجارة العالمية وهو النقل والمواصلات، وقطاع أيضًا مهم آخر وهو السياحة، وهذه قطاعات مؤثرة في حركة التجارة العالمية.. الحظر الذي يشمل دخول أفراد وبضائع إضافة إلى الحظر الموجود على السياحة الذي يشكل نسبة عالية من الناتج المحلي العالمي سيؤثر سلبًا في معدلات النمو الاقتصادي".
ويرى أن "الشركات العالمية التي تنتج بغرض التصدير لابد أن تخفض من حصصها الإنتاجية حتى لا يتكدس المخزون من البضائع، ونخشى أن يستمر ذلك لفترة أطول، أما إذا انحصر الفيروس مع قدوم الصيف -كما هو مأمول-فمن الممكن أن تستعيد التجارة الدولية والسياحة نشاطها مرة أخرى، ومن ثم سيكون الكساد محدود الأثر على ربع أو ربعين من العام المالي 2019/2020".
وتابع: "لكن إذا استمر الفيروس لفترة أطول سيؤثر ذلك سلبًا في معدلات النمو العالمية (..)لكن حتى إذا تأثرت خطط الإنتاج في الربع الأخير من 2019 والربع الأول من 2020، وهو المؤكد، فهذا لن يؤثر في الطاقات الإنتاجية والقدرات التصديرية لدول العالم؛ بمعنى أن الكساد لا يعني نهاية المطاف أو وجود كارثة طالما أن السبب معروف، وأن هناك إجراءات بالحد من هذا السبب".
وفي رده حول: هل ستتوقف الأضرار بانتهاء السبب أم سيكون له عواقب؟ أجاب: "هذا مؤكد، ويترتب عليه أن معدل النمو يمكن أن يصل للصفر في بعض الأنشطة خصوصًا التي تتوقف على التجارة العالمية والسياحة الدولية، ولكن ما يطمئننا أن الطاقات الإنتاجية للشركات حتى التي خفضت أو توقف إنتاجها لن تتأثر؛ المكائن والآلات والمعدات وقوة العمل موجودة يتبقى فقط أن نعطيها إشارة بالبدء".
ونبّه "البنا" بأنه "حتى ما حدث في الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 كان ركودًا عالميًا؛ بمعنى أن معدلات الإنتاج انخفضت، ولكن تبقى المصانع بآلاتها وعمالها بمجرد التخلص من سبب الأزمة يعود العمل مرة أخرى، فيعود الإنتاج وتعود معدلات النمو للارتفاع. فأرجو أن لا يكون هناك هلع من انخفاض معدلات الإنتاج هذا ليس نهاية المطاف".
وحول ما إن كانت هناك قطاعات تستفيد من مصائب الخاسرين، يقول البنا: "لا أعتقد.. الكل خاسر، رجال الأعمال سيهربون، وبعض العاملين سيفقدون عملهم". لكنه استثنى قطاع الخدمات الصحية، بقوله: "قطاع الصحة سيحقق رواجًا (المستشفيات والرعاية الصحية واللقاحات)، كما أن هناك مكسبًا آخرًا ضمنيًا أن الدول التي تأثر اقتصادها كثيرًا سواء نتيجة توقف حركة التجارة أو تعتمد على القطاع السياحي؛ من الممكن أن تنشط إنتاجها المحلي، كمصر من الممكن أن تشجع السياحة الداخلية، وهذه الأزمة يمكن تدارك آثارها السلبية جرئيًا بالاعتماد على الداخل ولو مؤقتًا".
الذهب.. الملاذ الآمن
إلى ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة،أن تتأثر عدد من القطاعات بفيروس كورونا، تبدأ أولًا بالسياحة نظرًا لخوف الناس من التنقل من مكان لآخر، وتتبعهاقطاعات وشركات الطيران، والفنادق، والبورصات العالمية، وأسواق المال، والجميع سيتجنبون مخاطر الاستثمار، فيما تتحول الدول إلى الملاذات الآمنة بشراء الذهب تخوفًا من التراجعات التي تحدث في الاقتصاديات العالمية، ومعدلات النمو في تراجع.
ويلفت، في تصريحات خاصة لـ "المشهد"، إلى أن "جميع الدول ستتأثر من هذه الأزمة وعلى رأسها الصين التي تصدر من 22% إلى 23% من حجم الصادرات العالمية، ومع بدء تراجع إنتاجها سيقل التصدير ويتقلص حجم التجارة العالمية، ومن ثم ستتأثر المصانع وستنخفض مستويات الدخل لدى الموردين والمشتغلين، وكل هذا في الأخير سيؤثر سلبًا في الاقتصاد العالمي سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا، أيضًا هناك بريطانيا التي قرّرت إغلاق المدارس، وإيطاليا التي تمر بحالة انهيار، فضلًا عن إيران التي قامت بإغلاق مناطق بالكامل".
وحول الدول أو القطاعات التي يمكن أن تستفيد من هذه الأزمة، ذكر "بدرة" أن "هناك قطاعات لن تستفيد على الإطلاق مثل السياحة والطيران والحج والعمرة، في المقابل هناك مستفيدون مع لجوء بعض الشركات إلى موردين آخرين من دول أخرى مثل أوروبا، وقد يتجه البعض إلى إيجاد البديل المحلي، ويرتبط هذا بالاتفاقات الدولية والقدرة على استيعاب دخول أسواق أخرى".
------------------
كتب- أحمد كامل ومحمد خالد